(سبحان الله العظيم)
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خرج سليمان عليه السلام يستقي، فرأى نملةً مستلقيَةً على ظهرها، رافعةً قوائمَها إلى السماء، تقول: اللهم، إنا خَلْقٌ مِن خلقِك، ليس بنا غنًى عن سُقيَاك، فقال لهم سليمان: ارجعوا؛ فقد سُقيتُم بدعوة غيركم»؛ رواه أحمد، وصحَّحه الحاكم.
أخي المسلم الكريم، إنه في الحقيقة لولا شيوخٌ رُكَّعٌ، وأطفالٌ رُضَّعٌ، وبهائم رُتَّعٌ- ما سُقِينا قطرةَ ماءٍ.
إن حديث أبي هريرة السابق يستوقف كل مسلمٍ ومسلمةٍ وقفةً طويلةً؛ وذلك للتأمل في عجائب قدرة الله، وللتأمل فيما وهب الله لأصغر مخلوقاته من معرفته سبحانه، وما أهمَّه وجعل فيه من غرائز تفوق عقل الإنسان في تصرفاته وعقائده.
وعن هذه القصَّة العجيبة، وعن دعاء تلك النملة يروي بعض العلماء أن النملة رأتهم مِن مسافة ستَّة أميالٍ قبل أن يصلوا، ثم أنذرَت قومها، وفي ذلك دعوةٌ للمسلم: أن يدعو أمَّتَه للخير، ويُنْذرها من الشر، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ونبي الله سليمان خرج يستسقي، أي: يَطلُب السُّقيا، فإذا به يرى نَملةً، ولم يرَ النمل كلَّه، فيراها على تلك الحالة، ورأى قوائمها التي تكاد تكون أنحل من الشعر، وهي رافعةٌ قوائمَها إلى السماء، ولها ست قوائم، فاسْتَلْقَت على ظهرها ورفعت قوائمها، فهذه نملة تعرف أين تتوجه، ويا ليت قومي يَعقِلون، وتسأل المولى لا من بطن الأرض، ولا من شرق ولا غرب، ولكن من السماءِ، مِن العلوِّ، ترفع قوائمها إلى الله فقط، كالذي يرفع يديه مستصرخًا ضارعًا؛ كما ثبت لنا أنه- صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حتى رُئي بياض إبطيه، أي: في هذه الحالة بالذات، وهو يدعو مولاه ويستجير به ويستنجِدُ، وهذه النملة مستلقية على ظهرها، ورفعت قوائمها تسأل الله.
ثم يروي لنا أنها قالت: «اللهم، إنا خَلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك»، أو «بذنوب العباد»، كما في رواية أحمد: «فلا تهلكنا بذنوب العباد، لا غنى لنا عن سقياك»، وفي بعض الروايات كما يذكرها الجاحظ: «إن لم تَسقِنا تُهلكْنا، إن لم تسقنا فأمِتْنا»، أي: لنستريح من عذاب القحط، فهذه نملةٌ، وهي أيسر ما تكون تأتي بهذا العمل، فمَن أحق باللجوء إلى الله: الإنسان أم هذه الحشرة؟ ومَن أحقُّ بالضراعة إليه: الإنسان أم هي؟ ومَن أحق بالاعتقاد بأن كل شيء بيده سبحانَه؟
فما كان من نبي الله سليمان إلا أن اكتفى بدعائها، وقال لمن معه: «ارجعوا؛ فقد سقيتم بدعوة غيركم»؛ فالله تعالى سمع دعاء النملة.
كما يقول الزمخشري:
يَا مَنْ يَرَى مَدَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهَا *** في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الألْيَلِ
وَيَرَى نِيَاطَ عُرُوقِهَا في نَحْرِهَا *** وَالْمُخُّ مِنْ تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَّلِ
فالمولى سبحانه يسمع ويرى دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، تحت الصخرة الصماء؛ فهذه هي القدرة الإلهية والعظمة الربانية، فهو الله ذو الجلال والإكرام سبحانه، وأنت، أخي المسلم، إما تعي أن الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأقدر من أي شيء وأي مخلوق، هو وحده يقدر، هو وحده يعطي ويمنع، هو وحده يُعِزُّ ويُذِلُّ، هو وحده يَنصُر ويُفَرِّج الكرب والهم والغم، فلِمَ لا نلجأ إليه كما لجأت إليه النملة؟!
إخواني، يا من تطلبون العزة والنصرة؛ لئلا نُمْنَع الخير، ونمنع النصرة، ونمنع العزة والكرامة والتمكين.
هيَّا- أيها المسلمون- لنجدِّد العهد مع الله من جديدٍ، ونلجأ إليه ونستعين به وحده، وسيرينا الله من آثار ذلك الخير الكثير، كما منح النملة ومَن معها، ومنَح سليمان ومن معه، ونحن عبيدُه، وأكرَم عنده من كل مخلوقٍ آخر.
اللهم، إنَّا نسألك نَصرَك الذي وَعَدْت للمسلمين، اللهم، انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيِّك وعبادك الموحِّدين، اللهم، فرِّج الكروب والهمُوم والغمُوم، وانصر كل مسلم مظلوم.
الكاتب: عادل عبدالله هندي.
المصدر: موقع الألوكة.